سألني بعضهم ذات يوم عن جامعة شنقيط العصرية لا زالت بالعلم وأهله عامرة وحَرية فقلت له : ربما قد تكون على خبير بها سقطت ، وببعض شانها في ذالك -لا كله- أحطت ، فأنا من أوائل المنتسبين إليها طالبا ، ومشاركا بجهد المقل في التأطير. فقلت لمحدثي: لعلك تسألني عن الشيخ العلامة الدكتور محمد المختار ولد اباه حفظه الله ورعاه الذي قلت فيه ذات مرة خلال حوار تلفزيوني مع قناة العربية ما قاله معاوية بن هشام لخالد بن صفوان عندما سأله : بم بلغ فيكم الأحنف بن قيس ما بلغ ؟ قال : إن شئت حدثتك ألفا وإن شئت حذفت لك الحديث حذفا قال : احذفه لي حذفا قال : فإن شئت فثلاثا وإن شئت فاثنتين وإن شئت فواحدة، قال : ما الثلاث ؟ قال : كان لا يشره ولا يحسد ولا يمنع حقا، قال: فما الثنتان ؟قال :كان موفقا للخير معصوما من الشر،قال : فما الواحدة ؟ قال :كان أشد الناس على نفسه سلطانا، أما أنا فأقول في الشيخ : متع الله به المسلمين أعصرا طوالا في صحة وعافية وجزاه الله خيرا عن العلم ومحبيه.
أو لعلك تريد أن أحدثك عن ذالك الجو العلمي الوقور المهيب الذي يسود في الجامعة عند طلبتها المهذبين وأساتذتها الوقورين، ولدى إدارتها اللينة في غير ضعف، القوية في غير شدة، وحتى لدى حراسها وبوابيها الأمناء؛ جو يجمع البساطة والجد كما يجتمع السهل والممتنع في البلاغة.
ألم تر إلى مشايخها الذين جمعوا الرواية والدراية ودكاترتها المتميزين الذين جمعوا الأصالة مع الحداثة في علوم القرآن والسنة النبوية والآثار وفقه علماء الأمصار والأصول والقواعد، ناهيك عن علوم الآلة من نحو وصرف ولغة وبيان ومعاني ومنطق وعروض وسير وأخلاق ونقد وأدب ، إضافة إلى معارف العصر من قانون واقتصاد ومحاسبة وصيرفة ولغات وتواصل ومناهج وغير ذالك.
قد تقول لي : ما ذكرته هو من العوارض الذاتية لكل الجامعات ولا تختص به جامعة شنقيط عن غيرها .أقول : ما قلته غير مسلم لأن لازم كل ما ذكرنا في الجامعات في أغلب الأحيان أن يخرج الطالب بتأهيل محدود وفهم مكدود ، بينما لازم ما ذكرنا في جامعة شنقيط العصرية أن يخرج الطالب بعلم راسخ وفهم ثاقب وتأهيل جيد . تباينت اللوازم وتباين اللوازم ملزوم له تباين الملزومات كما هو متقرر منطقيا.
ولكن الأمر الذي تمتاز به جامعة شنقيط عن غيرها قد لا يكون في ضخامة البناية ولا في التضخيم الإعلامي والدعاية (ما سبقكم أبو بكر بكثرة صلاة… ولكن بشيء وقر في صدره).
إن الذي يميزها أمران أساسين:
أحدهما : أنها تجمع كل المشارب والمذاهب الفقهية والعلمية دون غلو ولا تفريط ولا إفراط. وتجمع مدارس الإسلام السنية المختلفة : فترى الصوفي إلى جنب الفقيه و الأشعري إلى جنب السلفي والأصولي إلى جنب ألفروعي جنبا إلى جنب ينتظمون في صف ويصلون في صف.
وثانيهما أنها تضم العشرات من الطلاب والأساتذة والباحثين من مختلف المشارب والمذاهب فلا تسمع خصاما ولا ملاحاة ولا جدلا ولا رياء ولا كلاما يتجاوز حد المذاكرة والمراوضة في العلم ، ولا تسمع شكاوى ولا تجاذبا بين العمال والإدارة ولا بين هذه والطلاب ولا بينها وبين الأساتذة.
مر على ذالك والحمد لله رب العالمين ثمان سنوات ، وهذان الأمران يدلان على أن الجامعة و الطالب والأستاذ كل أولئك يخلصون نياتهم لطلب العلم وأبى العلم إلا أن يكون لله، فعملهم لله رب العالمين.